للتغيير قوانينه الداخلية القريبة من قوانين الفيزياء، فهناك التراكم، و هناك الضغط و الشدة، ثم هناك الحركة و الحركة
المعاكسة ، و هناك الإنفجار الذي يوازيه في البيولوجيا تحلل الجثث الميتة و انتهاء وجودها فاسحة المجال للحياة أن تستمر و تتجدد..
لغط كثير نشاهده منذ نصف عام على الساحة السياسية الغربية، الفاعلون السياسيون لم يعودوا يستحقون هذا الإسم، و أحرى أن نسميهم البهلوانات العجوزة التي تساقط عنها المكياج، أو قرود ساحة جامع الفنا المريضة بطعام الكاكاو، الطعام الوحيد الذي تحصل عليه و يسبب لها الإسهال المزمن..هناك تدهور سياسي و احتباس و ملل بسبب العروض السمجة التي تقدمها هاته الحيوانات السياسية، لذلك يبدو جل السياسيين أمام مهمات و انتظارات دستور 2011 كأطفال كبار لا يزالون يصرون على الحبو، أو كقطيع جواميس تخاف من عبور النهر الذي اعتقدت أنه خال من التماسيح..و التماسيح موجودة بالفعل، أما من اعتقد أنها غير موجودة هو فجاموس غبي كما أخبرنا الفيديو المشهور على يوتوب..
طالب بنكيران رئيس الحكومة ( حكومة جميع المغاربة يا حسرة ) بحل حزب الأصالة و المعاصرة.. و حل الأحزاب في أعراف السياسة لا يكون الا بأداة ثورية و وضع ثوري، هو وضع كان مناسبا حينما طالبنا في البيان التأسيسي لحرية و ديمقراطية الآن ب "حل البرلمان والحكومة و الأحزاب التي ساهمت في ترسيخ الفساد السياسي" و ذلك بسبب الوضعية المشينة لأحزاب كثيرة بلا سبب قاسمها المشترك ( ولا يزال ) الريع السياسي و تيئيس الشعب من الممارسة السياسية..لكن الوضع الثوري لم يعد قائما لأن الفاعل الرئيسي المتمثل في المؤسسة الملكية قام بما عليه بالإستجابة الفورية لنبض المجتمع بدون مراوغة و لا تأخير..
ما يقوم به بنكيران بالإستعانة بخطاب ما قبل الدستور و المطالبة بحل حزبين كبيرين ، هو تلاعب يائس بالمشاعر، و لعلها أجندة انتخابية استباقية تستعمل الردة عن التعاقد المجتمعي لتبرير الفشل و ربما الإستعداد في المستقبل للتملص من المسؤولية. من مطالب التغيير التي رفعناها في عشرين فبراير كشرط لتغيير حقيقي في المغرب : ربط المسؤولية بالمحاسبة الشاملة، أي على جميع محاور السلطة و الإدارة و داخل الأحزاب و ليس فقط في دائرة الملكية..يعرف الجميع في الوقت الراهن لماذا عجلة التغيير بطيئة لأنه بكل بساطة اليد الواحدة لا تصفق..
قال الزايدي في حوارييه أنه يلزمه النزول الى الشارع من أجل إسقاط غريمه لشكر.. و هي دعوة يمكن وصفها بأنها اندحار سياسي، واعتراف مباشر بفشل الحزب الإشتراكي ( يا حسرة ) في تدبير خلافه الحزبي بالأليات الديمقراطية الداخلية..الزايدي استعمل هو الآخر نفس خطاب بنكيران الذي استغاث ماكرا بمطالب عشرين فبراير خارج سياقها الزمني، و نعلم أنه في القانون توجد قاعدة جوهرية هي عدم رجعية القوانين و تطبيقها بأثر فوري. ومعنى النزول للشارع هو الرجعية السياسية والتهديد المبطن بالعبث السياسي عن طريق الإستعانة بالماضي و عقلية الماضي و سلوكيات الماضي لحل مشكلات الحاضر..يشترك في خاصية الظلامية و الرجعية بالإضافة الى الإسلاميين المتطرفين الكثير من اليساريين المدجنين، و تذكرني الأنا المتضخمة للزايدي في صراعه المبالغ فيه مع لشكر بخصية الجنرال المفتوقة في رواية غبرييل غارسيا ماركيز المشهورة " خريف البطريرك"..
حتى في حزب الأصالة و المعاصرة لا يزال هناك من يتغنى بالجمر و الرصاص رغم أن رصيده ساخن بتعويضات الدولة، و من الوثائق المرجعية الكبرى للحزب تقرير هيئة الإنصاف و المصالحة الذي يحمل مضمونا متكافئا يحمل عبء المصالحة بالتساوي بين الدولة و الفاعلين المجتمعيين. كنا نأمل من الرفاق في حركة لكل الديمقراطيين بتأسيسهم للحزب المساهمة الجذرية في تحقيق المصالحة المجتمعية و تخليق السياسة، سياسة مغايرة ، خطاب جديد، ممارسة جديدة و مجتمع جديد، لكن يبدو أن ذلك منال لا يزال يحتاج لثورة زرقاء داخل الحزب لأنه لا مناص من الرجوع الى زخم حركة لكل الديمقراطيين لأنها شكلت انطلاقة صحيحة أكثر مما كانت ترفا و لغوا فكريا يستعمله الكثيرون حاليا للعبور الى أموال الوطن عن طريق الإنتقام و المراوغة..
الشهر الماضي و خلال ندوة نظمت بمكناس عن العنف في الجامعة، لاحظت كيف أن الكثير من أطر الحزب لا يزالون يحملون عقيدة ما قبل الإنصاف و المصالحة، و يستمرون في تحميل الدولة هكذا بالجملة مسؤولية العنف الدائر بين الطلبة..و هذا في نظري تحليل و خطاب متقادم عن أدبيات مرجعية حزب الأصالة و المعاصرة، و أيضا متخلف عن وضعية الدستور الجديدو مخالف لمنهجية تقرير الخمسينية التي وضعت السياسوية و العاطفية جانبا و حملت الجميع المسؤولية بالتساوي عن زمن الأخطاء..
عملية التغيير في المغرب مستمرة رغم ذلك..و إذا كانت الملكية قد قفزت بسرعة و ذكاء الى الجهة الأخرى، فلا يزال باقي الفاعلون السياسون على جهة المستنقع، هم ينتظرون أن نتعب من المطالبة بالتغيير و يعيقون عملية التحول بالسرعة القصوى.. احتمال كبير في آخر درب اليأس أن تبقى الجثث السياسية في المستنقع الآسن حتى تتعفن و تتحلل. ربما هو خير، ومن سمادها تلك الكائنات الميتة تنبعث نخب جديدة تواصل المشوار..
من قصص القرآن حكمة بليغة " قال يا بني اركب معنا، قال سآوي الى جبل يعصمني من الماء، فحال بينهما الموج و كان من المغرقين "
- رشيد عنتيد
26-05-2014