اليوم بعد تناول الغذاء ابتعت نصف كيلوغرام من الليمون و أخذت أقشر حباته على مهل و أنا عائد الى مقر العمل.. و أنا أتأمل وجوه الناس قلت ماذا بقي لي في هاته الحياة لم أقم به ثم غصت في داخل رأسي أتذكر ما مر من حياتي :
درست الأداب شعبة اللغة الانجليزية، درت القانون في الجامعة، درست لمدة عامين المعلوميات و هي لا تزال بعد تطرق أبواب المغرب في نهاياة التسعينيات.كنت محظوظا لأني درست و آخرون لم يفعلوا..أحببت من بعيد في سن السادسة عشرة، ثم أحببت في سن العشرين أختا في الله من جماعة الإصلاح و التجديد أنذاك كنا نتبادل أنا و إياها كتب سيد قطب و المودودي ورسائل حسن البنا والمجلات الاسلامية و أشرطة المحاضرات و الاناشيد، كان إسمها لبنى. أحببت في الرابعة و العشرين حبا عنيفا عتيقة و هي تجلس بجانبي كاملة الأنوثة، كنت خرجت للتو من شرنقة الله و أكتشف ما فاتني بلا ذنب..
كنت مع الزاوية البودشيشية لمدة عام أنتظر أن أقفز من الوجد و تأخذني الحضرة و أنا آقول هو هو..ثم بعد أن يئست ذهبت الى جماعة العدل و الإحسان أعبد الله و أسب العباد..
عملت بأجور حقيرة و أخرى محترمة و اغتنمت الملذات و عانيت الحرمان.. عشت سنوات البطالة عملت فيها في البناء أحمل الآجر و أغربل الرمل و في المساء أعود الى كوخي مع البنائين لكي ينهشني البرغوث..عملت في بيع الخضروات في السوق و تشاجرت مع الفراشة على المكان..
في نهاية عمري الثلاثين يأست من نفسي و من الحياة و اختنقت. تشاجرت مع أسرتي و طردني أبي من المنزل. نمت تحت العمارات. نمت على العشب في الحدائق وعلى جنبات المحطة الطرقية بمكناس .نمت على قطع الكرطون..استجديت الخبز من المخبزات و الدراهم من أبواب الحانات بالرباط..
قررت الانتحار ذات يوم في غرفة فندق لكن قلبي خاف و خفق بشدة و أحسست برعب هائل لأنني سأتدلى من حبل نصبته في السقف. كرهت جبني
..
خضت الثورة وكنت في وسطها و مؤسسها الرئيسي. كتبت بيانها التأسيسي و كنت أحرض الناس من السيبير المراقب و أعود الى البيت في المساء أقرؤ روايات غابرييل جارسيا و أنتظر طرق زوار الليل كي يأتوا و يختطفوني الى الإنمحاء..
صرت فجأة أكتب التاريخ السياسي المعاصر للمغرب، و كل من في السياسة و الدولة صار يعرفني و يتسائل من هذا الغاضب الذي ينظر الينا شزرا و يخاطب الملك و يحاوره بوقاحة و قسوة في " مغاربة يتحاورون مباشرة مع الملك "..
لقد جربت كل الموبقات الا الماحيا و الكوكايين و السيليسيون..
بمدينة الفنيدق احتجزتني عاهرة اسمها نجاة كانت تريدني زوجها و أقفلت علي باب بيتها ومعها هاتفي و أوراقي الشخصية و حقيبة السفر. احتجزتني ثلاثة أيام تدخل و تخرج بالمفتاح لما أخبرتها أنني سأعود الى مكناس لأني أصبحت بدون عمل..
خضت غزوات النبيذ في كل مكان كنت أذهب اليه، و سكرت حتى كنت أسقط ميتا لا أنطق عن الهوى..
في سن الأربعين التي أنا فيها الآن لم أعد أشعر بالإنبهار بأي شيء و فقدت الرغبة في مخالطة البشر و صرت لا أشعر بأي ارتباط يجذبني اليهم و الى معتقداتهم و ترهاتهم و خبثهم و حيواتهم الصغيرة ..
نصحوني بزيارة معالج نفسي لكني لا أريد ذلك لأنني لا أريد أن أشفى..