أحب النوم كثيرا عندما لا أكون على ما يرام،خاصة إذا علي النهوض باكرا للذهب إلى "العمل" في مكان يجتمع فيه أناس لا أارتبط معهم بأي شيء و أشمئز من شغفهم بالحقارة و الفقر و إتقانهم للوفاء للمسؤولين و الرؤساء و المدراء وحروبهم الشرسة فيما بينهم على حضوة و دوام أجر زهيد..
عندما أعود من عمل أحرص بشغف على أن أنام باكرا، كالدجاج، حتى أتمكن من الاسيقاظ في الليل و أجد موعد الذهاب الى العمل لايزال بعيدا و السماء في الخارج سوداء و المصابييح الليلية الصفراء مشتعلة..آنذاك أعود و أنام من جديد كما لو كان يوم أحد أو عطلة.
في غرفة مجاورة لغرفتي في الفندق رجل أجده دائما في استيقاظي الليلي يسعل بشدة حتى يختفي صوته بالاختناق..تصورت أنه مصدور..قاس أن تموت و عضلات صدرك محطمة و حنجرتك ضيقة، أكره نوبات السعال القاسية و هي تستغل حاجتك للهواء كي تعاقبك بالاختناق و أنت لا حول ولا قوة لك سوى أن تسعل و تسعل..تمنيت لو أنه يشرب قليلا من الزيت كي يستريح من تهيج فصبته الهوائية ..قلت في نفسي لو كانت علته في الرئة فلا ينفعه زيت ولاهم يحزنون.
عندما نهضت من النوم ذات منصف ليل كي أدخن سيجارة وجدت عند رأسي صفا طويلا من النمل الصغير يسير على الحائط. يخرجون من ثقب قرب النافذة، يسيرون بهدوء و نظام و انتظام في اتجاه فتات الخبز و الطعام البائت..عندما بدأت أنفخ عليهم من دخان سيجارتي كانوا يفقدون تركيزهم و تأخذ كل نملة في الركض في كل الاتجاهات و يتصادمون فيما بينهم في أنانية، تسليت بعض الشيئ و أخذت أسمح لهم بالإنتظام قليلا ثم أعاود النفخ فيهم فيرتعبون و يتبعثرون..لابد أنهم يسعلون و يلعنونني، لم أدري هل كانوا يعرفون أني أنا من يربك صفهم و يخنق تنفسهم أم أنهم يضنون أن الله أرسل عليهم العذاب، ربما كانوا يضنون أنه يوم القيامة و أنه نفخ في الصور..في الحقيقة كنت أنفخ في سيجارة كازا
فندق "عتو" مضحك و عجيب.. ثمن المبيت الزهيد يجعل العديد من نزلائه مقيمين دائمين..أكثر ما يضحكني فيه هندسته الغريبة، الأدراج بقطع زليجها القديمة تشبه الحمامات التقليدية، والغرف المتراصة بأبوابها الصغيرة الغامقة تشبه زنزانات السجون أو أبواب الاصطبلات..أكثر ما أكرهه مراحيض فندق "عتو".. فصنبور الماء لا يوجد أمامك إذا جلست للتفريغ بل خلفك وبعيد عن الارض بمتر تقريبا، لذلك ستكون مضطرا و أنت جالس مشغول بالطرد بتحمل قطرات الماء البارد و هي تتطاير فوق مؤخرتك الدافئة..
فندق مثير.. يبدو أنه كان في الأصل بنايتين تم دمجهما معا وتم تحويل البناء إلى غرف كثيرة، أينما التفت ممرات مظلمة و أبواب و ألوان غير متجانسة و ثقوب مرممة و رائحة العطن القوية.. أخمن أنه في يوم ما أن الفندق سيندك فوق النزلاء ذات ليلة مطيرة و ستضيع طنجة في معلمة كبيرة..
عندما أطفأت النور كي أنام ذات ليلة ، ظل صوت ذبابة يتردد في السكون..لم أهتم في البداية لأني أعرف أن الذباب ينام و يستيقظ في نفس مواعيد البشر، لكن بعد دقائق أصبح طنينها لا يطاق و لكي أستطيع النوم في هدوء كان لدي خياران: إما أن أفتح لها النافذة أو الباب كي تخرج بسلام و تتجول الريح الباردة في غرفتي و إما أن أختار الحل الأسهل دائما،الإبادة.. ضربة واحد كافية حتى تستريح هي الأخرى من الحياة المتعبة فحجمها الكبير يدل على أنها عاشت مدة طويلة تنقب في الخراء.
كانت ملتصقة بالحائط و تقوم بحركاتها المقرفة و هي تمرر أرجلها على وجهها و جناحيها وحول فمها الأسود لتقوم في الأخير تقوم بفرك رجليها الأماميتين يبعضهما كما لو أنها ستستلم جائزة..تلك الحمقاء لا تعرف لم المخدة في يدي ولما أنا بالقرب
منها..ضريبة الغباء و أكل الخراء.
حدقت فيها جيدا وأنا أقدر المسافة و السرعة اللازمتين ، فجأة كفت الذبابة عن فرك يديها ..لقد استشعرت بالخطر الداهم...لكن كان قد فات الأوان، انطلقت المخدة من يدي خاطفة..طاااق...صحت غاضبا و هي تهوي صريعة : الذبانة لي ولداتك
طتجة
23-12-2010