Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog

من حسن حظ ندى أنها تعلمت في المدارس الراقية، و في " ليسي" ديكارت  انطبعت في ذاكرتها لغة موليير الجميلة بالأنوار و الإنفتاح و خاصة الشك الذي يجعلها تتقلب دائما في الحيرة. كان أبوها لا يزال لم يصب بلوثة الطهرانية فعاشت بعيدة عن سطوته زمنا قبل أن يقرر الأب الحائر في لحظة أزمة وجودية الذهاب للبحث عن الحقيقة في الزاوية البوحشيشية، فهجرالعمل و الأصدقاء و الأسرة ليقرر لبس الصوف ومناجاة الملائكة. انزعجت ندى أكثر عندما قرر عبد السلام ذات صباح في شهر أكتوبرأن يتولى مهمة تحقيق حلم خلافة الملائكة على الأرض وكتب لذلك  المنهاج و ثورة دولة "بيران" تشعل فيه الحماس..

 

بشر بالحلم في الزاوية بين البوحشيشيين وعندما لم يسمع له المتصوفون المولعين للجذبة و الإشراقات قرر أن يحمل أزمته إلى رحاب السياسة مدثرا بالفرح البيراني، وقرر أن يجعل لمنهاج ألف و لام اليقين التام الذي أعطته إياه المبشرات والرؤى بأنه يكتب بهدى من الملائكة و أنه المبشر بالحق و الخلاص للعالمين . قرر في حزم تحويل الثورة الشيعية في دولة" بيران"  الى القومة المباركة في بلاده و يرسم لها معالم الطريق كما فعل سيد حطب تربية و تنظيما و زحفا

 

كانت ندى قتاة غضة لاتزال تتنطط مع قريناتها في رحاب الليسي وكانت لا زالت بعد لم تتغلف بعد بالأثواب عورة كما صارحها أبوها ذات يوم. كانت لاتزال تحب دروس البيانو وتعشق قامتها الرشيقة عندما ترقص الباليه و تتقاسم مع رفيقاتها الإعجاب بوسامة الشاب يوسف الذي خلب لبها، وتوشوش معهن في الحفلات الخاصة أسرار اللقاءات الغرامية الجميلة و رسائل الحب العذبة..كان عبد السلام حينها حائرا بين النوم في دفء الصوف الروحي و الحرب إلى جانب الملائكة.. و البنت حائرة هي الأخرى بين الحياة الجميلة التي تعيشها وبين وعظ الأب الهذياني الذي يتلو عليها كل يوم تعاليم التوبة من حياة الضلال. قررت ندى في الأخير عندما اشتدت عليها أزمة عاطفية الإنصياع للإعجاب الواجب للأب و في الحلق غصة من طلاقة و انسياب ستطمران الى الأبد

 

عندما ضاق عبد السلام ذرعا بابنته التي تفور بالحيوية و الطاقة، جاء لها بالزوج الذي وعده خاشعا بأنه سيهمد ثورة ابنته و يسكن حيرتها و يعطيها خير السكينة و المؤانسة . في الحقيقة كان الأب يضرب عصفورين بحجر : يهدي ابنته سبل الرشاد بعصفور، و يؤمن لنفسه ولاء الأتباع من ذوي الشخصيات المشبعة بالإنبهار بعصفور آخر..وفي النهاية و بالطاعة الواجبة من جهة العريس ، و بالإيمان بالأب محدث الملائكة الأخيار من جهة العروسة تم الزواج السعيد

 

كان عبد الله زوجا مسالما له استعداد بدوي بأن يضيف إلى الإيمان بالأب الإيمان بابنته المتعلمة العصرية التى ترطن اللغات بفصاحة، في حين لا يميزه  هو عن الأمية سوى ما لقنه له الشيخ بالإتباع و المصاحبة

 

          مرت أيام الفرح الأولى للزواج إلى جانب البنت الغضة، و أشبعت ندى نهمها ( أو سخطها) من الجسد الفحل القادم من الصحراء الذي علمته الإسترخاء عندما كان يتلعثم مفردات الجماع. كان يداري إحساسا دفينا بالدونية الذي لم يستطع كبحه طويلا و هو يرى نفسه مقتنعا بمبررات البنت المتعلمة بأنه هو المسؤول عندما تأتي هي الى الدنيا بالإناث تحت أنظار الشيخ المتأسف الذي يريد الذكور.. .. في خلواته العديدة كان عبد الله  يداري سخطه بوضاعته و يعزي نفسه بالشرف الحاصل له أن يتزوج ابنة العارف بالله ..كانت الأيام تمر و عبد الله يتحول شيئا فشيئا الى مجرد زوج تقليدي مهمته إطاعة الأوامر التي تأتيه من الأب تارة ومن البنت تارة أخرى ، حتى أصبح المسكين لا يميز الفرق بين أوامر البنت من أوامر أبيها و اقتنع في الأخير بضرورة الإتباع و الطاعة تحت طائلة فقدان الإيمان و فقدان الصحبة و حضوة الملائكة

 

يتذكر عبد الله بمرارة ذلك اليوم الذي قررت فيه زوجته الذهاب إلى أوروبا للقيام بمهمات عاجلة لنصرة الجماعة.. سألها ببلاهة مصطنعة عن ملابس مشرقة دستها بسرعة في حقيبتها وأصابع مكياج اعتادت وضعه على شفتيها، لكنه لم يحصل على إجابة، كانت عينا ندى لا تخفى لهفة وردية و فرحا بعيدا لم يشاهده في عينيها منذ كان يشاهدها مع صويحباتها في جنبات " الليسي".

 

بالسرعة اللازمة و الدهاء الواهن بحث في الخفاء عن غريمه ليستريح من وساوسه التي جعلته يقضي الليل متنهدا  . لم يستطع الهروب من الحقيقة عندما علم بوسائله الخاصة أن" يوسف" زميل دراستها القديم ذاهب هو الآخر للقيام ب"الدعوة" في أوروبا". حاول بكل العزم المتبقي من غضبه المكبوت أن يجعل ذهابه معها ضروريا ، لكنه لم يعرف لماذا وجد نفسه فجأة مكلفا بمهام مكوكية لا تقبل التأجيل للقيام بوعظ الأتباع المنتشرين في البلاد و إرشادهم إلى الهدى في مجالس النصيحة، حتى مناورته الأخيرة فشلت عندما حاول إقناع الوالد بأن ذهابه مع ندى ضروري بالشريعة لكن دون جدوى،  ليستسلم اخيرا في الإقتناع تحت سحر كلام عبد السلام الملائكي  بأن زوجته الحبيبة ندى ذاهبة لتنوير المؤمنات في بلاد أوروبا

 

عندما كانت الطائرة ترتفع عن الأرض أنبت نفسها على الفرح الذي يرقص في دواخلها، لكنها لم تهتم في النهاية و هي تخلف ورائها غما أحست بفداحته عندما اتخذت الطائرة وضعها الهادئ في السماء.. تعالت الموسيقى خافتة ترفرف كالحمام حولها ..قدمت لها المضيفة شرابا منعشا و تبادلت معها تسليات و قفشات. ضحكت كثيرا ملأ صوتها و لم تهتم للنظرات التي كانت تحيط بها من خلف الكراسي الوثيرة.. لما اعتذرت منها المضيفة بلطف للذهاب لاستكمال جولتها لم تدر لما هاجمها الحنين لأيام الليسي .. كانت حينها بريئة وحرة .. تذكرت زميلها القديم يوسف..نظرت إلى النافذة بعنيها الجميلتين بشيء من الأسى و ظلت ساهمة حتى ضنت أن سحابات الصيف المحلقة تهمس إليها

 

يتبع...

 

رشيد عنتيد سبرتزاتا

13.06.2011 

 

 

  l-amour.jpg

 


Partager cet article
Repost0
Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :