Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog


استقر عند المغاربة أن جماعة العدل و الإحسان جماعة دينية غير قانونية،و مع ذلك تتعامل معها الدولة منذ زمان بحذر، تحيطها عن قرب بسياجات تضمن بقائها مغمضة العينين و الجماعة متيقنة أنها تستعد للقومة ..

الجماعة تعيش بانتظاره، ذلك الموعود العصيان المدني الذي فيه نهب جميعنا خاشعين ورائها معلنة أن الطوفان الموعود قد بدأ ليكنس الحكم الجبري من على الأرض و بزوغ الخلافة على منهاج النبوة..

دغدغنا هذا الحلم لما كنا يافعين بين أحضان الجماعة نستمع الى هذا اللحن الشجي و تشرئب أعناقنا الى هدير وعد الله.. مللنا و كبرت أسئلتنا معنا و تطورت مداركنا و ضاق علينا الجلد الديني الضيق حتى خرجنا منه متحررين الى رحاب الفكر الإنساني الكبير..

طوفان لماذا و كيف و ماذا بعد؟

تلك أسئلة لا نعلم لها جوابا عند الجماعة و تريدنا أن نطمئن و لا نجزع و نعول على طاقة الإيمان و مساعدات ملائكة الرحمان و اليقين الأبدي في إمام الأمة عبد السلام ياسين الذي بشر زمنا بما اجتهده صابرا مصابرا، ثم مات عبد السلام ياسين لما تغلبت فيه سنة الإنقراض و ترك المريدين غارقين في الملل..

خلال الحراك الذي قادته حركة عشرين فبراير تمكنت العدل و الإحسان من إيجاد صيغة للتواجد في الحركة و هذا سلوك مقبول يفترض في كل تنظيم سياسي يبشر بنفسه. كان من حق الكثيرين الإعتراض على سيطرتها بسبب طبيعة مشروعها المجتمعي الميتافيزيقي و كذلك بسبب صيغة المشاركة في الحراك..

كمؤسس رئيسي لحركة عشرين فبراير توجست من العدل و الإحسان واعترضت على صيغة انضمامها الحركة. تحملت بسبب موقفي هجوما عنيفا من الرفاق المتحمسون الذين اعتبروا في تقديرهم السياسي أن مشاركة الجماعة مرغوبة بسبب زخمها البشري و التنظيمي و أنه لا خوف على المجتمع و لا حزن و لا إعدامات و لا حدود ردة ستصيبنا بعد أن يسقط النظام و تحكمنا الجماعة بقال الله و قال الرسول فأطيعوا..

انسلت الجماعة من الحراك و تركته في عنق الزجاجة، كان خروجها سهلا لأن دخولها منذ البداية كان سهلا مهلا بدون ميثاق و لا دفتر تحملات سياسي يلزمها و يحدد السقف النضالي للحراك و يفصل في قيم المشروع المجتمعي المطلوب. تم تعويض هذا الفراغ بالثقة المجنحة و الحماس و تعويم النضال داخل الشعارات الجميلة و الجمل القصيرة التي تدغدغ مخيلة الفقراء و المحرومين و لا تقنع العقلاء..لقد كانت مجرد مثانة ممتلئة و تستلح أن تستفرغ فقط..

خطأ استراتيجي التسرع في التحرك بدون هوية و لا أوراق و لا علامات.. استفادت الدولة من هذا الارتباك مستريحة لتبادر بعرض تصورها الخاص للإصلاح الدستوري و السياسي دون وجود قوة توازن اقتراحية. كانت حركة عشرين فبراير خارج الزمن السياسي و استحكم فيها الشارع واستلذته بسبب غشاوة الإديولوجيا.. هكذا ولد الدستور و هكذا ولدت الحكومة الملتحية التي يقودها بنكيران..

الآن تآكل رصيد الدولة من الإصلاحات الدستورية التي صاغتها براحة و استجمام و تقلصت مسافة السبق التي ححقته. لكني أتسائل هل من حق الدولة أن تتغابى و تستعمل دوما فزاعة العدل و الإحسان.. الجواب لا إننا لم نعد نصدق ذلك حتى و لو كان ذلك حقيقيا. لم يعد المجتمع يقبل من الدولة تحت مسوغات قديمة تبرير العودة لما قبل إقرار دستور 2011. لم نعد نقبل من الدولة إعادة بيع الملابس المستعملة. لم نعد نقبل من الدولة الإخلال بتعاقدها المعبر عنه في خطاب الملك يوم 9 مارس، هذا الخطاب هو التزام له من القوة التعاقدية ما يجعل الإخلال به موجبا على مدى قصير جدا الى سقوط الدستور دفعة واحدة. خطاب 9 مارس هو الدستور الحقيقي..

جماعة العدل و الإحسان تتواجد في المجتمع و بحثها على التموقع سلوك سياسي مقبول واستعمال تموقعها من أجل تموقع آخر من الباطن هو الذي غير مقبول، فهذه الجماعة لا توجد في جزر الوقواق بل هي جزء من هذا الوطن و تقديرها السياسي و مشروعها المجتمعي هو جزء من تصورات أخرى. إذا كانت هذه الجماعة توجد خارج القانون المنظم للعمل السياسي في المغرب فعلى الدولة أن تقوم بواجبها و إعمال القانون فيها دون رحمة و إلا تقوم بالتحاور معها بجدية حتى يمكن أن تعمل الجماعة تحت ضوء الشمس و القمر و سمعنا و بصرنا جميعا..

الدولة تترك الجماعة تسمن في فنائها الخلفي داخل المنطقة العازلة بين القانون و اللاقانون منطقة تهريب السلع و الحشيش السياسي. الجماعة نفسها استئنست بهذا الدور و استحكم فيها الإنتظار الميتافيزيقي و أصبحت جزءا من اللعبة. لقد أوجدت الدولة لجماعة العدل و الإحسان الكبيرة دورا صغيرا و هي أن تكون صمام أمان ذاتي الحركة دوره إفراغ قدرة النضالات الجادة على التوسع و الإستقطاب، فالعدل و الإحسان بدافع أرثودوكسي ذاتي تحمل فراغها معها و تبث هذا الفراغ في المبادرات الجماعية. و بذلك تتحول تخويفات الدولة منها الى حقيقة واقعية تجد تطبيقاتها العملية في دول مجاورة عمها الخراب بسبب فراغ مشروع الإسلام السياسي.. في الأخير يصاب التراكم النضالي الجاد بالعقم مع الإنطلاقة و تفضل النخب العاقلة الحياد أو الإكتفاء بالحد الأدنى المسمى بهلوانيات حزب العدالة و التنمية أو الأصالة و المعاصرة أو تنويعات بينهما..

ما العمل إذن ؟

أريد من هذه الرسالة المفتوحة الى جماعة العدل و الإحسان حثها على المشاركة في تفعيل تحول في مواقفها يجعلها طاقة تغيير حقيقية في المغرب ، و لا شك أن هذا الطموح يوجد في تفكير العدل و الإحسان تعوزه فقط الشجاعة والإرادة السياسية.

لقد استشعر عبد السلام ياسين هذا النقد الذاتي في كتابه حوار مع الفضلاء الديمقراطيين. لكنه حوار ظل الشيخ متمسكا فيه بشرط التوبة كما قال و بالتالي لم يكن حوارا البتة بل طوافا حول الحجر الأسود..

لاشك تشاهد الجماعة فضاعات الإسلام السياسي في كل مكان و هي فضاعات ليس سببها عدم الحصول على السلطة و تحقق التمكين، بل وجود عيب خلقي مرده احتباس النصوص المرجعية الكبرى التي لم يعد تأويلها السائد قادرا على مسايرة حاجيات الإنسان المعاصر ..

تمتلك الجماعة فرصة تاريخية لتجريب فقه جديد جريء ينزع القداسة عن نصوص القرآن و السنة و يحرر ديناميكية الإجتهاد العميق فيهما..قد أقترح على الجماعة المبادرة عقد سلسلة حوارات مفتوحة و مباشرة مع نخب المجتمع الحداثية بعيدا عن أعذار المظلومية من الدولة تفضي الى تبني ميثاق علني يكون ملزما، من معالمه الكبرى :
-
التصريح و الإلتزام بأن الإسلام الإجتماعي يحمي حرية الأفراد و اختياراتهم الشخصية في الإعتقاد و التفكير و أن الكفر جزء لا يتجزأ من حقيقة إسلام المجتمع لأن الكفر لا يعيق الإلتزام بالمواطنة المبنية على إرادة العيش المشترك..

- التصريح و الإلتزام بأن النصوص المرجعية التي تتناقض إجرائيا أو موضوعيا مع الحريات و المساواة الطبيعية و القانونية بين الأفراد تعتبر منسوخة من نصوص الإسلام بحكم تجاوز الواقع لها..

- فتح حوار مفتوح مع الدولة يفضي الى التصريح و الإلتزام بأن نظام الخلافة الإسلامية هو اجتهاد لا يتناقض مع نظام الحكم الملكي البرلماني إذا استند هذا الأخير على مشروعية و آليات تراقب أدائه. يمكن للملكية أن تكون محل تجديد الثقة بشكل دوري عن طريق البرلمان أو الإستفتاء أو غير ذلك من الآليات المستخرجة من نظام الحكم الجمهوري..

أضن أن فرص تحقيق الإنعطافات التاريخية بمنطق الصراع البدائي أصبحت ضئيلة. أصبحنا نتيقن يوما بعد يوم بأن الزمن المتبقي من عمر البشرية أصبح يدفع العالم الى التوقف عن الكذب و المراوغة لأن خيارات الإنقراض الجماعي أصبحت تتغلب على المماطلة و الإكتفاء بالعكازات و الأقنعة..

و السلام..

 

- رشيد عنتيد، عضو سابق بجماعة العدل و الإحسان و أحد مؤسسي حركة عشرين فبراير بالمغرب -

13-01-2016

رسالة مفتوحة الى جماعة العدل و الإحسان
Partager cet article
Repost0
Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :